الرئيسية ثقافة الشاعر القاص مصطفى ملح… علمني الشعر الكتابة وحب الحياة ولقاء الغرباء

الشاعر القاص مصطفى ملح… علمني الشعر الكتابة وحب الحياة ولقاء الغرباء

كتب في 12 نوفمبر 2023 - 10:24 ص
مشاركة

حاورته.. نادية الزوين

شاعر جميل، هادئ تخضع مفرداته لأحاسيس جياشة،يترك لمسته بكل مايرسم من كلمات لتلامس قلوب الناس وكنة الحياة حائز على عدة جوائز وطنية ودولية له العديد من الدواوين أهمها:دم الشاعر،أجراس بعيدة،اللعب مع الزمان وقصص للاطفال .رحبو معي بالشاعر القاص مصطفى ملح.


**ماذا قدم لك الشعر؟


قدم لي الشعر كل شيء: أن أعيش برئة ثالثة أستنشق بها الخيال والمجاز.. أن أدرب نفسي يوميا على اكتشاف نفسي وتحريرها من التكرار والتشابه.. أن أحب التفاصيل الصغيرة التي كانت من قبل ضائعة في الزحام.. أن أصادق الفراشات والعصافير وأنحاز إلى حزبهما ضد حزب الجرافة والرصاصة.. أن أحب الأشجار والليل والخيال والكتب والتسكع بين الاستعارات العنيفة الشرسة.. علمني الشعر الكتابة وحب الحياة ولقاء الغرباء.. كما منحني بطاقة عبور إلى دولة الشعراء لأكون واحدا من منخرطيها الأوفياء حاملا الأمل على ظهري صاعدا به الجبل قصد مصافحة السماء..


**موقفك من الصراع بين القصيدة الموزونة والنثرية؟


لا أرى أي صراع ولا أي احتدام بين كل أنماط الكتابة: سواء خضع النص الشعري لبنية القصيدة ذات الشطرين، أو القصيدة التفعيلية أو قصيدة النثر. أستمتع بنص لطرفة أو المتنبي بنفس القدر الذي أستمتع به لنص للسياب أو درويش ونفس القدر لنص لمحمد الماغوط أو سيف الرحبي. أعتقد أن الجوهري يكمن في إحساس الشاعر وقدرته على التأثير والإدهاش، أكثر مما يكمن في نمط الكتابة نفسها. الجدة والحداثة ليست مجرد شكل خارجي أيقوني يتقنع به النص الشعري، وإنما إحساس الشاعر بتناقضات العالم ورؤيته للقيم المشروخة داخل المجتمع.


**هل تكتب القصيدة أم تكتبك؟


أزعم أنني أكتب قصيدة، أو على الأقل أسعى إلى كتابتها. التكنيك هو سؤال مرتبط أساسا بالتقنيات الموظفة في إنتاج النص من لغة وحوار وتصوير وفلاش باك وتكثيف وتشخيص وحذف ومحو وتعالق نصي.  التقنية هي المهارة المكتسبة، ودربة الحواس ومراسها على التقاط المشهد وتحويله من مادة خام إلى استعارة حية. أما القصيدة فهي الكائن الحي الذي يعيش ويتنفس وينمو ويتكاثر. القصيدة هي الوجود، والتكنيك هو القدرة على التعبير عن ذلك الوجود متوسلا العبارات والعلامات اللغوية..


**هل الشعر أصبح متاحا لكل من هب ودب؟


من المؤسف حقا أن الشعر أصباح متاحا للجميع، في زمن سادت فيه التقنية وانتشرت فيه مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن السؤال الجوهري هو: هل كل ما يكتب الآن شعر؟
من قبل كان إنتاج قصيدة واحدة يتطلب جهدا جهيدا، وبحثا مضنيا عن الأسلوب، وتدريبا متعبا للخيال والذاكرة والوعي والإحساس.

أما اليوم فقد صار معظم الذين ينتسبون إلى الشعر يلجون صومعته المقدسة بإحساس حاف، ووعي عار، ومقروء غير قادر على شحذ الملكة وتطوير الممارسة. كل هذا أسفر عن كتابة هجينة متسرعة.

الكتابة وعي ومشقة وليست لعبا بالكلمات وترفا فكريا. لا بد من إعادة النظر إلى قدسية القصيدة حتى لا تصير لعبة من طين أو بلاستيك فتنكسر في أيدي الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد. القصيدة غرفة سرية لا ينبغي فتح مزاليجها إلا من لدن عاقل خبير بنار البلاغة ونورها..


**هل الشعراء اليوم لا زالو متشبتين بالقواعد ام اصبحت لديهم معاني لغوية تؤثر فقط على القراء عند سماعها؟ 


فيما يتعلق بتشبث الشعراء المعاصرين بالقواعد، فيمكن الحديث عن أكثر من اتجاه، وأكثر من حساسية. لا يمكن الحديث عن تجانس يسم الشعراء، وإنما لكل شاعر طريقة وطريق. هناك المتسرع الاهث خلف بياض الورقة يؤثثه بما شاء من حبر دون تريث أو بحث أو استقصاء.

  وهناك نوع ثان، وهم الأقلية، يكتيون بدون تسرع، ولا يكتبون إلا باتباع قواعد يلتزمون بها، وهي قواعد تتصل بفهم اللغة واستيعاب المعنى الأصيل للبلاغة والإيقاع.


عموما، هناك انطباع سيء يتملكني حيال تعاطي الشعراء، معظمهم على الأقل، مع القواعد. لا يمكن بناء عمارة في غياب فهم واع لقوانين الهندسة. كذلك بالنسبة للمعمار الشعري الذي أرى أنه لا يمكن أن يتم إلا بتلك القواعد التي باتت تشكل هاجس خوف لدى فئة كبيرة من الشعراء..


**أي أصناف الشعر أقرب إليك؟


أرى أن قصيدة التفعيلة هي النوع الذي أحسن التوغل فيه. وأنا في الوقت ذاته جربت الأنواع الأخرى، واستمالني وميضها. لكن النص التفعيلي هو من أتقن الركض فيه برجلين حافيتين تمضيان إلى سماء ما بحثا عن الضوء. ثمة عتمة غاشمة في كل مكان.. الليل أكثر ليلا.. ولا يمكنني أن أجد الضوء الاستعاري الحقيقي، لمحو أشباح العتمة، إلا في قصيدة التفعيلة..


**تأثير الجوائز على مسارك الإبداعي؟


الشاعر ليس (شيئا) عرضيا زائلا. هو جزء من بنية المجتمع. هو صوت (القبيلة) والمنافح عن قيمها. لذلك فيسعده أن يجد من جهة موطئ قدم داخل محيطه، وأن يكرم وتنقش صورته في قلوب الناس من جهة أخرى. وإذا كان أحد أهلا للتكريم والمحبة فالشاعر أولى بذلك، على اعتبار أنه ضمير الأمة المعبر عن وجدانها.
من هنا أستطيع القول بأن الجائزة تحفزني على الانطلاق، وتشعرني بأن (الآخرين) تقبلوا نصوصي قبولا حسنا، وأنني لست عرضا زائلا وإنما جوهر متصل عميقا بجذور المجتمع، ونبتة طيبة قد أينعت في تربته.


**أي نوع تختار.. الشعر أو الرواية؟


أختارهما معا. الشعر مرآة لذاتي، والرواية مرايا متعددة لذوات الآخرين. عندما أسعى إلى التكثيف، والرمز، والاختزال، والاستعارة، فإني شاعر. وحين أسعى إلى رسم شخصيات بملامح مختلفة، وأشرّح نفسياتها، وألامس تأزمها وتوترها، وأصور بؤس أمكنة ما، فإنني روائي. الشعر يلمح ويختزل، بينما الرواية تسهب وتطنب. الشعر إشارات والرواية عبارات.


**كلمة أخيرة إلى قارئي


إن وجدت ما يستحق الانتباه فيما أكتب فأنا ممتن لك وسعيد بما وجدت.. وإني لم تجد ما يذكر فاضرب ما كتبت بعرض الحائط ولا تلتفت إلى خيالي أبدا، وابحث عن مهرج آخر من مهرجي سرك الحياة، واعلم ساعتئد بأنني لم أعد الساحر الذي يدفع الناس للتصفيق والتهليل في السرك، وأنني لم أعد الساعر الذي يبرع في إخراج الحمام والمناديل من قبعته الملونة..

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *