المهدي لعسيري
أصبح موضوع خوصصة أندية كرة القدم يفرض نفسه في النقاش الرياضي بالمغرب، في ظل استمرار الإشكالات المالية والتنظيمية التي تعاني منها أغلب الأندية الوطنية، رغم الإصلاحات التي شهدها القطاع خلال السنوات الأخيرة. ورغم أن الاحتراف أُعلن عنه منذ أكثر من عقد، إلا أن الواقع يكشف أن النموذج الحالي لم يحقق الأهداف المرجوة في حكامة التسيير، وتنوع مصادر التمويل، وتثمين المنتوج الكروي.
1- سياق طرح الخوصصة في المغرب
تعيش الأندية المغربية منذ سنوات وضعًا ماليًا هشًا، يعتمد بشكل شبه كلي على الدعم العمومي، ومنح الجماعات الترابية، وعائدات محدودة من الإشهار والرعاية. ومع ارتفاع التكاليف المرتبطة بتسيير الأندية، وتنامي متطلبات التطوير، برزت الحاجة إلى نموذج جديد يضمن الاستدامة المالية، ويخفف العبء على المال العام، ويعطي للقطاع الرياضي بعدًا اقتصاديًا واضحًا.
كما أن إنشاء الشركات الرياضية في إطار القانون 30.09 كان خطوة مهمة نحو إعادة هيكلة القطاع، لكنه ظل في كثير من الحالات خطوة شكلية أكثر منها تحولًا حقيقيًا نحو نموذج اقتصادي احترافي.
2- ماذا تعني الخوصصة في المجال الرياضي؟
لا تعني الخوصصة ببساطة “بيع الأندية”، بل تعني فتح المجال أمام رؤوس الأموال الخاصة للمساهمة في تطوير الأندية، وفق ضوابط قانونية تحمي المصلحة العامة. والهدف منها هو:
- ضمان استقلالية مالية عن الدعم العمومي
- تحسين الحكامة ورفع مستوى التسيير
- خلق مداخيل جديدة وبنيات استثمارية
- تطوير البنية التحتية والخدمات الرياضية
هذا التوجه معمول به في عدة دول، حيث أصبحت الأندية مؤسسات اقتصادية قائمة بذاتها، مع الحفاظ على دورها الاجتماعي والرياضي.
3- حدود الإطار القانوني الحالي
ورغم أهمية القانون 30.09 في تنظيم القطاع، إلا أنه لا يواكب متطلبات الخوصصة لغياب عدد من المقتضيات الأساسية، من أبرزها:
- غياب نص تشريعي خاص بالخوصصة الرياضية
- استمرار ارتباط الشركات الرياضية بالجمعيات بنسبة 30% على الأقل
- عدم وضوح قواعد ولوج المستثمرين وخروجهم
- محدودية آليات المراقبة والمحاسبة والافتحاص
هذه الثغرات تجعل من الصعب الانتقال السليم نحو نموذج خوصصة متكامل، وتستدعي مراجعة تشريعية تضع إطارًا واضحًا لهذا التحول.
4- متطلبات قبل اعتماد الخوصصة
قبل مناقشة تنزيل الخوصصة، من الضروري توفر مجموعة من الشروط:
- إطار قانوني مفصل يحدد طرق التفويت، شروط الاستثمار، والرقابة
- حكامة شفافة وتدبير مالي خاضع للافتحاص والمساءلة
- حماية هوية النادي ورموزه وقيمه المرتبطة بالجمهور
- معايير واضحة لاختيار المستثمرين لضمان جدية المشاريع
- فصل المهام بين الجوانب الرياضية والتجارية والإدارية
5- نحو نموذج تدريجي للخوصصة
الانتقال نحو الخوصصة ينبغي أن يتم بشكل تدريجي، وفق ثلاث مراحل:
- مرحلة التأهيل: إعادة هيكلة الأندية ماليًا وإداريًا، وتثبيت قواعد الحكامة
- مرحلة الانفتاح الجزئي: إدخال المستثمرين بنسبة محدودة، مع تقييم التجربة
- مرحلة الخوصصة الكاملة: بعد التأكد من جاهزية المنظومة، وبشروط تضمن التوازن وحماية المصلحة العامة
خاتمة
الخوصصة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لإصلاح واقع يحتاج إلى رؤية واضحة وقرارات جريئة. أما نجاحها فيرتبط بقدرة الدولة والفاعلين الرياضيين على وضع إطار قانوني وتنظيمي يضمن استثمارًا مسؤولًا، وحكامة رشيدة، وحماية هوية الأندية وجماهيرها.
إن تطوير كرة القدم الوطنية يتطلب مقاربة تجمع بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والرياضي، مع اعتماد خوصصة متوازنة، تراعي خصوصية المشهد المغربي، وتساهم في بناء منظومة احترافية مستدامة.
