اخبار

محمد سعود المالكي…كلما كان العمل الفني حداثيا كلما كان أصيلا

حاورته : نادية الزوين

شخصية فنية واضحة ترتكز على الإخلاص وصدق المشاعر الإنسانية, عميق وهادئ ،لوحاته لها تأثيرها وتتميز بالتنوع ،يرسم بقوة وجدية كمن يتنفس تحت الماء.شارك في العديد من المهرجانات داخل المغرب وخارجها من أبرزها مشاركته في متحف العالم بهولندا ومتحف روما ومتحف النورويج ومعرضه المميز ببغداد والقاهرة وجامعة للأخوين والمكتبة الوطنية ورواق محمد الادريسي أنه الفنان التشكيلي المغربي  محمد سعود المالكي.

 1-حدثنا عن البدايات وكيف نمت فكرة الفن وعشقه معك؟

هي محطة من المحطات أما البدايات فلا يمكن لي الحديث عنها في ظل انتفاء وجود نهايات.. ما أتذكره أن محطتي الأولى في عشقي للفن هو المرحلة الابتدائية حيث كنت محظوظا لأني درست في مدرسة كان فيها أحد أعلام الفن التشكيلي في المغرب وهو الفنان مصطفى السباعي رحمه الله، كان هذا الفنان مهووسا بالرسم على جدران القسم ونوافذه، وهذا الهوس أنتقل إليَّ لأني كنت منبهرا بما كان يرسمه.. ولذلك كنت أحاول الرسم اقتداء به إلى درجة أن هذه الرسوم كانت تلهيني عن متابعة الدروس.. وحين انتقلت إلى الإعدادي الثانوي سابقا تلقيت مبادئ الرسم على يد الأستاذة مدام جيبير وبعد سنة على يد الفنان المغربي أحمد تاشفين وكان يدرسنا بالعربية لأنه لا يعرف الفرنسية بحكم انه من مواليد غرناطة ويجيد الإسبانية. وكان لهذا الأستاذ تأثير بالغ على مساري الفني لأنه كان يدرسنا الفن بقواعده وأصوله الحقيقية ،وتعلمنا على يده علم المنظور الخطي ومزج الألوان واستعمال مواد كثيرة ومنها قطع الصابون لتعلم النحت لأنها متوفرة وثمنها زهيد إضافة إلى سهولة تشكيلها. 

2-كيف ترى الفن التشكيلي حاليا في المغرب؟

الفن التشكيلي في المغرب لم يشهد تراكمات مهمة ولذلك من الصعب الحديث عنه في ظل هذا المعطى، إضافة إلى عدم وجود دراسات جادة تبحث في هذا الموضوع، لأن الكتابات تجتر كتابات أخرى سابقة دون جديد ودون جرأة في تكسير هذا النمط السائد من الكتابات الصحفية والمبنية على علاقات شخصية ومصلحية. هل هذه الأسماء التي يتم تداولها هي التي كانت فعلا في الساحة أم هناك فنانون آخرون لم يذكرهم أي أحد وغابوا في زحام فوضى الزبونية.. ما نعرفه عن هؤلاء أنهم من فناني المركز ولكن اين هم فنانو الهامش.. ولا أخفي هنا دور فناني المركز في تطوير الفن لأن أغلب هؤلاء الفنانين هم من الهامش وانتقلوا إلى المركز، خاصة رجال التعليم،، ولكن أين هم الفنانون الذين بقوا في الهامش؟ هذا السؤال لازال مطروحا إلى حد الآن.. ومشكلة الهامش والتهميش هي التي دفعت المكسيك مثلا إلى المصالحة مع تاريخها الإبداعي خاصة الفني في النبش من جديد في تاريخ الفن،، وكانت النتائج مبهرة.

 3-الذات الإبداعية عند الفنان هل تمحورها المدرسة التي ينتمي اليها؟

هناك فنانون رواد يعتبرون في حد ذاتهم مدرسة قائمة بحد ذاتها لأن لهن الفضل في كسر قوالب المدارس التي سبقتهم بجرأة كبيرة وبفلسفة عميقة سواء في توظيف الألوان أو الخطوط او الأشكال بطريقة مبتكرة. وهناك فنانون آخرون ساروا على نمط هؤلاء الرواد والمؤسسين أحيانا بتقديم إضافات إلى سابقيهم ومنهم من يكتفي بالتقليد فقط وهم الذين يشكلون الأغلبية.

 4- هل هناك أولوية لأحد مكونات اللوحة من حيث الموضوع والشكل والمادة واللون؟

لي لا أفرق بينهم،، فكل ما ذكرتِ هنا في السؤال يشكل بالنسبة لي وحدة في العملية الإبداعية،، وأي شكل او خط لا يمكن وضعه دون توظيف أي لون.. فما نراه خطا أسود مثلا هو فقط لون أسود ونفس الشيء بالنسبة للشكل،، وحتى لو قمنا برش اللون عشوائيا على أي سند  فإنه حتما سيعطينا شكلا أو أشكالا.. تبقى هنا المشكلة في معرفة نوع الشكل المألوف حيث يمكن تسميته، والشكل غير المألوف الذي لا يمكن معرفته. ورغم ما قلته سابقا إلا أن اللون بالنسبة لي هو كل شيء.. وأتذكر هنا سؤالا طرحه علي ناقد إسباني حين رآني مهووسا باللون :”ماذا لو استغنيت عن اللون واكتفيت فقط بالخطوط هل يمكن أن تكون فنانا؟” .

وطرحت عليه بدوري سؤالا :”وبم سأشكل تلك الخطوط ؟” – فهم هذا الناقد ان هذه الخطوط لا يمكن تشكيلها دون لون.

 5-كيف تجد لغة التواصل بين رؤية الفنان ورؤية المشاهد؟-

إشكالية التواصل تطرح موضوعا غاية في الأهمية وهو الذوق والتلقي.. وفي المغرب والكثير من البلدان التي لا تهتم بالتربية الفنية نفس السؤال يطرحه المتلقي على الفنان وهو :”ماذا تعني هذه اللوحة أو العمل الفني ؟”.

أي يطلب من الفنان أن يشرح له بدل أن يطلب منه إعطاءه تصورا عن فنه من خلال رؤيته للعالم وتوظيف اللون والشكل والمادة كنفس سؤالك سابقا الذي له علاقة بتصور وليس بشرح.. والمتلقي لا يعرف أن الفنان حين يقدم أعماله الفنية أصبح محايدا وله طريقة في التلقي قد تتشابه او تتعارض مع الآخرين.. ونفس الشيء بالنسبة للشعراء، فلا يمكنهم شرح قصائدهم وإن فعلوا خرجوا من دائرة الشعر إلى الابتذال. 

5-اعمالك هل تسبقها مرحلة التخطيط أم هي حالة انفعالية؟

الجواب صعب بحكم أني أجمع بينهما معا، فأنا أرسم دون تخطيط أو تصور أولي،، ولكن في نفس الوقت لا آتي من فراغ بل هناك تراكمات كثيرة سبقت هذا العمل الفني، وهنا أتذكر قولة شهيرة لبيكاسو وهي :”إن الفنان يمر من حالة جدب إلى حالة امتلاء”. وهو لا يختلف عن الشاعر أبي تمام حين أشار إلى ما قبل القصيدة وشبهها بمخاض الولادة.

 6-هل الفن التشكيلي يعاني عزلة في الوطن العربي؟-

فعلا توجد عزلة وقد اشتدت مؤخرا ،فرغم كثرة المعارض التي كانت من المفروض أن تفك هذه العزلة إلا أنها زادت من حدتها، والسبب أن هذه المعارض لا تعتمد على معايير موضوعية، تجمع فقط بين أصدقاء يتبادلون الدعوات في ما بينهم ويكرمون بعضهم بعضا.. وهذا لا ينطلي على الزوار الذين فقدوا كل الثقة في هذه المعارض أو اللقاءات المتعلقة بندوات فنية حيث نرى نفس الوجوه تكرر ونفس الكلام يتكرر. 

7-بلا شك أن الفن للإنسانية جمعاء لا فرق بين عربي وأجنبي, لكن التساؤل عما يمز العمل الفني أصالته أم حداثته؟ 

كلما كان العمل الفني حداثيا كلما كان أصيلا.. فأصالة العمل الفني هو جِدَّتُهُ وتحقيق الفنان لوثبة خيالية لم يسبقه أي فنان فيها.. صحيح أننا أحيانا نوظف نفس المواد ولكن الفرق يبقى في تصورنا لعملنا الفني لأن الفن المعاصر لم يعد يؤمن ببراعة الفنان في الرسم بل في خلق التصور.. وبذلك تجاوزنا براديغم الفنان الذي كان فيه الفنان عبد وبراديغم الفنان الذي كان يشتغل تحت الطلب لتزيين الكنائس أَو فناني البلاط، أما اليوم فإننا أمام فنان مستقل حر عليه أن يقدم تصوره ويعبر عنه بكل أصالة.. ليستمد مشروعيته من خلال تهافت الأروقة والمتاحف والنقاد وكذلك جماعي الأعمال الفنية على ما يبدعه. 

8-ما رأيك بالتكنولوجيا التي أبعدتنا عن الكتاب والقراءة والفن؟

نحن الآن في عصر الفيديو سفير أي عصر الشاشة حسب التقسيم الذي وضعه عالم الاجتماع الفرنسي ريجيس دوبري.. ولذلك لابد أن نساير هذا العصر وإلا جرفنا التيار.. التكنولوجيا وفرت لنا ملايين الكتب والمجلات في جميع الاختصاصات.. والمسألة تبقى هنا متعلقة بالاختيار.. ماذا نقرأ وماذا نشاهد ونسمع؟  والمشكل الذي أراه هو أننا لم نواكب هذه التطورات ونحن الآن في مواجهة الذكاء الاصطناعي الذي ربما سيقضي على الإبداع الذي هو في الأصل  تخزين لإبداعات الجنس البشري في قاعدة بيانات و لا أحد يستطيع إيقافه تحت أية ذريعة ومنها ذريعة الملكية الفكرية أو حماية الخصوصية الفردية ،، إنها مثل سيل جارف إما أن نتعامل معه بذكاء وإما أن نكون ضحية لهذا السيل. هذه الثقوب السوداء تلتهم كل ما راكمه العقل البشري من إبداع لتحوله إلى بعد آخر. وسيصير الإنسان مجرد مستهلك مادام  هذا الجيل Gen Z نشأ مع هذه الثورة الرقمية ولا يعرف إلا سواها.. المعارض التي تقدم إبداعات فنية تم تعويضها بمعارض أخرى تعتمد على الذكاء الاصطناعي،، وقاعات المحاضرات أو الندوات أو توقيع الكتب أصبحت شبه فارغة.. لأن ما تقدمه لا يلبي تطلعات هذا الجيل.. فتقنيات (ETX Daily Up) التي أصبحت تغزو العالم وتستجيب لحاجيات هذا الجيل لا زالت في بداياتها ورغم ذلك حققت طفرة هائلة.. وإذا كان الفلاسفة تحدثوا عن موت الفن فإننا الآن يمكن الحديث عن موت الكثير من المهن ومنها الطب مستقبلا..

 9-كتب الرسام والنحات والفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو يقول: «الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات «هل ترفض أم توافق؟

أتفق معه جملة وتفصيلا ، لأن المسار الفني هو جزء من السيرة الذاتية ولذلك نرى اليوم الفنانين يصدرون سيرا ذاتية بطريقة فنية يطلقون عليها ” المونوغرافيا ” التي تستعرض أهم إنجازات الفنان وما كُتب عنه ، فمن ناحية الصور هي سيرة ذاتية ومن ناحية الكتابة هي سيرة غيرية . 

10-اي الثقافات تميل إلى التعامل معها وتتبادل معها الخبرات والمهارات؟ 

الثقافة المغربية أولا بكل مكوناتها   والثقافات الإنسانية ثانيا وإن كنت أميل أكثر إلى الثقافة الشرقية في ما يتعلق بفلسفاتها الروحية ولكن الثقافة الغربية أيضا ضرورية لأننا تلقينا كل أصول الفن والكثير من العلوم منها .كلمة أخيرة لقراء الجريدة؟شكرا لقراء هذه الجريدة الغراء وللمبدعة نادية الزوين التي أجرت معي هذا الحوار الممتع والذي يطرح أسئلة شائكة وموضوعية متمنيا أن اكون قد لامست أجوبتي عنها ولو قليلا جوهر موضوعاتها.

شارك المقال شارك غرد إرسال