اخبار

سطات… شبابٌ على هامش السياسة أم رصيد استراتيجي للمستقبل؟

بقلم حبيل رشيد.

يقف إقليم سطات، بما يحمله من ثقل ديمغرافي وموقع جغرافي استراتيجي بين الدار البيضاء ومراكش، أمام سؤال مصيري يتجاوز حدود التنمية المحلية ليعانق رهانات السياسة الوطنية: كيف يمكن إعادة إدماج الشباب في قلب الفعل السياسي، وتحويلهم من متفرجين على المشهد إلى فاعلين في صياغة مستقبله؟

إنّ أزمة الثقة التي يعيشها الشباب السطاتي في الأحزاب السياسية لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكم طويل من الوعود غير المنجزة، ومن سياسات محلية غلب عليها الطابع التدبيري الضيق بدل الرؤية الاستراتيجية الواسعة. فالجيل الجديد، الذي ترعرع في فضاء رقمي مفتوح، ويقارن يومياً بين واقعه المعيشي وبين تجارب أقرانه في بلدان أخرى، لم يعد يقبل بمنطق الوصاية ولا بخطابات التبرير. وهو ما يفسر نسب العزوف المرتفعة عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وضعف الحضور الشبابي في مراكز القرار الجماعي والإقليمي.

لكنّ المفارقة الكبرى تكمن في أنّ إقليم سطات يزخر برصيد بشري هائل من الطاقات الشبابية، الجامعية والمهنية والثقافية، قادرة على إحداث نقلة نوعية في المشهد السياسي إذا ما أُتيحت لها الظروف المناسبة. هذه الطاقات لم تُقصِها السياسة فحسب، بل أقصتها آليات حزبية مغلقة لا تتيح التداول الديمقراطي الداخلي، وتعيد إنتاج نفس الوجوه التي ملّها المواطن واستثقلها الناخب.

من هنا، يصبح الرهان الاستراتيجي واضحاً: إعادة بناء العلاقة بين الشباب والسياسة على أساس الثقة، والكفاءة، والمسؤولية. وهذا يستوجب خارطة طريق دقيقة تقوم على:

1ــ تفكيك البُنى التقليدية داخل الأحزاب بالإقليم، وفتح المجال لقيادات شابة تصعد بالجدارة لا بالولاء.

2ــ إرساء برامج محلية موجهة للشباب تعالج أولوياتهم الحقيقية: التشغيل، التكوين، والثقافة.

3ــتفعيل آليات الديمقراطية التشاركية في الجماعات الترابية، بما يتيح للشباب فرصة اقتراح وتتبع وتقييم السياسات العمومية.

4ــبناء فضاءات للحوار السياسي بين المنتخبين والشباب، تكون مؤطرة ومؤسساتية، لا موسمية ولا شكلية.

5ـاستثمار الجامعة والفضاءات الثقافية بإقليم سطات كحاضنات طبيعية لإنتاج الأفكار وتجديد النخب.

إنّ الشباب السطاتي ليس كتلة هامشية، بل هو القوة الاستراتيجية التي يمكن أن تحسم مستقبل الإقليم. غير أنّ تحويل هذه القوة من “طاقة كامنة” إلى “طاقة فاعلة” رهين بقدرة الفاعلين السياسيين على تغيير العقليات، والتخلي عن منطق “الزعامة الفردية” لصالح منطق “المؤسسة الجماعية”.

إنّ التاريخ لا يرحم مناطق تُفرّط في طاقاتها، وإقليم سطات، إن أراد أن يخرج من دائرة التدبير العابر إلى صناعة المستقبل، مطالب اليوم بإطلاق مشروع سياسي جديد يجعل من الشباب شريكاً حقيقياً لا مجرد ديكور انتخابي. وحدها هذه الاستراتيجية الكفيلة بإعادة الاعتبار للعمل السياسي في الإقليم، وصياغة علاقة جديدة بين المواطن والمؤسسة، علاقة تُبنى على الثقة والشفافية، وتُدار برؤية تتجاوز الحاضر لتؤسس لغدٍ مختلف.

فإما أن يظل الشباب السطاتي على هامش السياسة، ضائعاً بين وعود تتبخر ومجالس تتقادم، وإما أن يتحول إلى رصيد استراتيجي يغيّر وجه الإقليم ويصوغ معالم مستقبله. والخيار بين الهامش والريادة، ليس ترفاً، بل هو التحدي الحقيقي الذي يواجه سطات في زمن تتسارع فيه التحولات ولا ترحم المتقاعسين.

شارك المقال شارك غرد إرسال