منذ أزيد من ثلاث سنوات، يواصل مستشفى الحسن الثاني الإقليمي بخريبكة العمل دون تعيين مدير رسمي، في وضعية كان يُفترض أن تكون انتقالية ومؤقتة، لكنها تحولت إلى واقع دائم يُدار خارج منطق الحكامة والشفافية. الأخطر أن نفس الشخص الذي يشغل منصب المدير بالنيابة، يجمع أيضاً بين مهمتي القرار الإداري والتدبير المالي، إذ يترأس القطب الإداري والاقتصادي، مما يجعله آمراً بالصرف، ومراقباً، ومنفذاً، ومحاسباً في آنٍ واحد.
هذا التركيز المفرط للسلطات يخرق بشكل مباشر مبدأ فصل المهام والمسؤوليات، ويُفرغ آليات الرقابة من مضمونها. لا لجان تقييم، لا تفتيش، ولا محاسبة. وحده المسؤول المؤقت يقرر، يُنفذ، ويصادق، وسط غياب تام لأي سلطة مضادة.
وزارة الصحة سبق أن أعلنت عن مباراة رسمية لتعيين مدير للمؤسسة، تقدم لها مرشحون، لكن دون أي انتقاء. ولم تُقدم الوزارة أي توضيح للرأي العام، تاركة منصبًا حساسًا بهذا الحجم شاغرًا لثلاث سنوات، وكأن المباراة لم تكن سوى غطاء شكلي لتبرير استمرار شخص بعينه في المنصب.
فهل الهدف من المباراة كان فقط إضفاء شرعية وهمية؟ وهل من قبيل الصدفة أن يستمر الوضع على حاله لثلاث سنوات رغم فشل التسيير وتراجع جودة الخدمات؟
المعطيات الميدانية تُجمع على أن المستشفى يعيش اختلالات خطيرة: خصاص حاد في الأطر، تأجيل متكرر للعمليات الجراحية، أعطاب متواصلة في التجهيزات، وسوء استقبال يُهين المرضى وذويهم. نساء يلدن في ظروف مهينة، ومرضى يُجبرون على التنقل لمدن أخرى لتلقي أبسط العلاجات التي من المفترض أن تُوفر محليًا.
ورغم كل ذلك، لم تُحرّك وزارة الصحة ساكناً. لا زيارات فجائية، لا تحقيق في مآل المباراة، ولا تفعيل للمحاسبة. فهل هناك من يحمي هذا المسؤول؟ وهل خريبكة خارج خريطة أولويات الإصلاح الصحي؟
في ظل مشاريع ضخمة وتظاهرات دولية قادمة ككأس العالم 2030، يبدو مستشفى خريبكة وكأنه من زمن آخر، يُدار بعقلية الريع الإداري واحتكار القرار، وسط صمت إداري يُثير الريبة.
أكثر من ثلاث سنوات والمستشفى بدون مدير رسمي، ولا مؤشرات على التغيير. الوضع لا يحتاج إلى بلاغات، بل إلى قرار حازم وشجاع من الوزير المسؤول، أمين التهراوي. فتح تحقيق نزيه في ملف تدبير هذا المستشفى، وزيارة ميدانية مفاجئة، سيكونان الخطوة الأولى نحو استعادة الثقة وتفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، كما أكّد عليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
أما الاستمرار في الصمت، فهو رسالة سلبية بأن العبث مقبول، أو على الأقل لا يزعج من بيدهم القرار.
خريبكة ليست فقط مدينة تعاني صحياً، بل هي اليوم اختبار حقيقي لمدى صدق الدولة في تنزيل إصلاح صحي شامل، وعادل، ومسؤول.