اخبار

طموح الدولة الاجتماعية بالمغرب وسؤال الإكراهات

العالم الفيلالي

شكل تنزيل مشروع الدولة الإجتماعية بالمغرب محطة مفصلية في الزمن التنموي للرقي بالبلاد ونهضة مجتمعية لتحقيق العيش الكريم للعباد، حيث أعطيت شارة البداية لتفعيل أوراش الدولة الإجتماعية في أعقاب صدور التقرير العام للنموذج التنموي، والدعوة الصريحة للملك محمد السادس في خطاب إفتتاح البرلمان لسنة 2021 للحكومة المنتخبة أنداك إلى مباشرة العمل على ترجمة فحوى النموذج التنموي من مقتضيات، و تحويل مخرجاته إلى سياسات وتوصياته إلى برامج وإجراءات تحكمها إلتزامات.

وبعد مرور سنتين ونصف من عمر الولاية التشريعية للحكومة الحالية نسجل نجاح هذه الأخيرة  في تنفيذ الكثير من الأوراش والمخططات لاسيما في القطاعات التي شكلت قمة هرم الأولويات ومحور نسق الإستراتجيات،  في كل من التعليم والحماية الإجتماعية والسكن والتشغيل حيث  إلتقت في البعد الإجتماعي وتكاملت مع المستوى الإقتصادي من أجل تحقيق حلم الريادة المشروع في الخارج ومواصلة مجهود التقدم المبذول في الداخل ، لكن برغم من كل الإصلاحات والمخططات  يواجه طموح الدولة الإجتماعية خطر الجمود بسبب إكراهات جمة تعطل مسيرة الإصلاح وتقوض فرص النجاح فيا ترى أين تكمن هذه الإشكالات التي تحولوا دون الإستجابة للتطلعات وتحقيق الإنتظارات؟

إن من الإشكاليات العظام التي تعيق تنفيذ التوجه الإجتماعي للدولة في القطاعات الأنفة الذكر، تبرز منظومة الإستهداف التي ينبني عليها تحديد عتبات الإستفادة و تصنيف الفئات حسب درجات الإستجابة ،حيث تعاني صعوبات كثيرة تتعلق أساسا في إعتماد الحكومة على ألية القيد في السجل الوطني للسكان والسجل الإجتماعي الموحد كشرط للإستفادة، فرهان التحول الرقمي الذي يشهده المغرب خاصة على مستوى التدبير العمومي أضحى حقيقة لا مراء فيها، غير أن هذا الإجراء ساهم في إقصاء شريحة كبيرة من المجتمع المغربي القاطنة في الأماكن النائية والمستقرة في المناطق الجبلية، فكلنا نعرف أن العديد من الأسر خصوصا التي تقطن في الأرياف والبوادي البعيدة والجبال الشاهقة  لا تتوفر على هواتف ذكية أو حواسيب وإن توفرت يكون صبيب الإنترنت ضعيفا إلى درجة الإنعدام وما زلزال الحوز عنا ببعيد.

ينضاف إلى ذلك صرامة المعايير  الخاصة بالإستفادة من الدعم المباشر حيث أقصت الكثير من الأسر التي تعيش حالة العوز والهشاشة وفي حالة دائمة للدعم والإعانة، بتزامن مع ما تشهده بلادنا من موجات غلاء ولهيب في أسعار المواد الأساسية يعزى لمعدلات التضخم المرتفعة.

 في المقابل أضحت إشكالية إستدامة التمويل عائقا رئيسيا يهدد عنصري الإستقرار والإستمرارية اللذان تستند عليهما منظومة الدعم الإجتماعي المباشر ، كون الإعتمادات المرصودة للبرنامج تتراوح ما بين 35 و40 مليار الدرهم سنويا، والتي يمكن أن تتضاعف على إعتبار أن عملية التسجيل للإستفادة من الإعانات مستمرة مما سيؤدي إلى إتساع قاعدة الأسر المستفيدة وبالتالي إرتفاع تكلفة التمويل.

بالإضافة لهذه الإكراهات المكتسبة مع تنزيل أوراش الدولة الإجتماعية تظهر إكراهات بنيوية  متجذرة في السياسات العمومية نتيجة التراكمات ومشاكل العميقة في التدبير العمومي على غرار المحسوبية والفساد الذي ينخر الإدارة المغربية نتيجة ضعف الرقابة وزجر المخالفة علاوة عن ضعف الموارد البشرية عددا وتكوينا.

إن إنخراط بلادنا في  تنزيل طموح الدولة الإجتماعية والعمل على تنزيل مقوماتها وأوراشها من أجل تحقيق طموح التنمية المنشود لكنها هذا الحلم مزال بعيد المنال بنظر لمشاكل التدبير والإشكاليات التي تعيق أوراش التغيير  ويبقى السؤال المطروح هو: هل ستعمل الحكومة على التحلي بالجدية الكاملة من أجل تجاوز الإكراهات المسجلة في تفعيل أوراش الدولة الإجتماعية على ضوء مضامين خطاب العرش الأخير الذي دعا فيه الملك محمد السادس على ضروة إعتماد الجدية كمنهج في  تنفيذ الإصلاحات و الأوراش الكبرى التي تعرفها بلادنا اليوم ؟

شارك المقال شارك غرد إرسال